“تهادوا تحابوا” كبرنا على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الهدايا تؤلف بين القلوب وتزيد المحبة وتآلف الأرواح، لنكبر ونقرأ ونفهم ونجرب بأنفسنا لنجد أنه صلى الله علسه وسلم لا ينطق عن الهوى؛ فالهادي محب مخلص يريد أن تصل مشاعره الصادقة لمن يحب، مشاعر حب وتقدير وامتنان لوجودهم الخالص المجرد في حياتنا، حب غير مشروط ولا مرتبط بزمان أو مكان، لتخرج هذه المشاعر في أبهى صورة لها على شكل هدية تلائم تفاصيل من نحب، لتسعد روحه وتبهج قلبه، وتقوي من روابط علاقتنا بمن نحب، ليس بسبب التكلفة المادية للهدية ولكن بسبب المجهود الذي بذل في كل تفصيلة فيها، ولكن ما أثر هذه الهدية على النفوس؟
أثر الهدية على الهادي
الهدية لاتدخل السعادة والسرور على متلقي الهدية فقط بل لها الأثر البالغ على نفس من يهديها، فالهدية لا تزيد المحبة والألفة من فراغ، فحتى تهدي أحبائك هدية مثالية يكون لها بالغ الأثر على قلوبهم وتخلد ذكراها الى الأبد، تدخل في عملية طويلة من المراقبة والتحليل لشخصيتهم واهتماماتهم وقائمة طويلة من اكتشاف من تحب واكتشاف هواياته ومراقبة احتياجاته، هذه العملية من المراقبة والتحليل ينتج عنها فهم عميق لشخصية من تحب لدرجة معرفة ما يحب وما يكره، والهدية التي ستسعده وتوقيت الإهداء المثالي له، وبعد الكثير من ذلك التحليل والتوفيق لاختيار هدية مثالية لمن نحب سنجد أجمل ردة فعل منهم وابتسامة صادقة ساحرة وامتنان لوجود من يهتم بتفاصيلنا الى هذا الحد، ردة الفعل تلك تترك عظيم الأثر وتشجع على المزيد من استكشاف الطرف الآخر، استكشاف مواطن في روحه لم يكن يدرك وجودها، والتعرف على الطرف الآخر بمنتهى الشغف لتصبح هذه الهدية المثالية بوابة للمزيد من استكشافٍ وشغفٍ لا يموت.
أثر الهدية على المتلقي
تخيل أن يتذكرك شخص بلا مناسبة، أو يهديك هدية أنت في أمس الحاجة لها، أو هدية يدوية الصنع وضع لك فيها كل مشاعر الحب الذي يكنها لك، تخيل كيف ستشعر؟ بكل تأكيد ستشعر بالتقدير والامتنان للتعب والجهد ما وراء الكواليس، كيف تم تحليل وتخطيط شخصيتك، ما قائمة الاهتمامات التي كتبت لتخرج من بينها هدية رائعة بهذا الشكل؟ كيف لأحدهم أن يراقب تفاصيلك في صمت ويراقب أفعالك باهتمام ويعرف تحديدًا ماذا يجعل قلبك يخفق من السعادة؟ بالتأكيد سيصبح شخصك المفضل، فكيف لا وقد تكبد كل ذلك العناء والاهتمام ليخرج لك بهدية ترضي قلبك، فالهدية تعزز الروابط بين المتحابين، وتشتت الانتباه عن عيوب بعضهم لبعض، وتخلق جوًا فريدًا من التواصل اللامنقطع لتبقى هذه الهدية المثالية برهانا صادقا على علاقة قوية البنيان.
أثر الهدية على الأسرة
الهدية تنبع من شخص حنون عاطفي يمتلك في قلبه كل الحب لمن حوله، ليس ذلك فحسب بل يريد أن تصل مشاعره الجميلة الطيبة لكل من يحبهم، فيحاول تدليلهم واسعادهم وتخفيف مشاق الحياة عنهم، فنجد أن العطاء سمة من سمات الأسرة السعيدة، زوج محب يعمل على اسعاد زوجته واهداءها كل حين وآخر هدايا تدخل السرور على قلبها وتهون عليها تعب ومشقة مسؤولية الأبناء فيزيد صبرها ويزيد من قدرتها على العطاء والدعم وليس بالضرورة أن تكون هدية باهظة الثمن يكفيها أن تأخذ يوما اجازة للترفيه عن نفسها مع صديقاتها، أو يهديها جلسة مساج خاصة والكثير من الأفكار التي تشعر الزوجة أنها محبوبة، أما الزوجة المحبة المعطاءة تعلم جيدا أن الرجل لم يخلق آلة عطاء فحسب بل يحتاج الى التدليل أيضا والترفيه فتحاول الزوجة أن تفصله ولو قليلا عن مهامه الأسرية وتفكر كيف تجعل ذلك الزوج الأسعد على الاطلاق، أما الأبناء السعداء هم من تربوا على الأخذ والعطاء، ففي الأعياد يتلقون الهدايا والعيديات من الأب والأم، ويكون دور الأم والأب التعاون معهم لاهداء الأم أو الأب هدية تسعدهم، ليسود في العائلة العطاء والاحساس كل فرد للآخر، هذه الطاقة الإجابية والمشاعر النبيلة حينما تسيطر على العائلة تصبح أكثر انتاجا وابداعا واستقرارا نفسيا وعاطفيا لمواجهة صعاب ومشاق الحياة.
في النهاية، العطاء من أقوى لغات الحب، حبا نريد أن نترجمه ونخرجه على صورة هدية مثالية تشعر من نحب أنهم الأهم والأغلى، هدية تزيد شغفنا لاكتشاف كلا منا الآخر، فالشغف نحو اكتشاف من نحب شغف لا يموت بل يتطور بتطور الزمان والمكان وظروف الحياة، فلنعبر لمن نحب عن فهمنا ورغبتنا في اكتشاف المزيد عنهم ومحبتنا الخالصة لهم في مختلف الظروف والأحوال.